الحديد والسرطان: بين ضرورة الحياة وخطر الانتشار

1. الحديد: عنصر أساسي لا غنى عنه

يُعدّ الحديد من المعادن الضرورية لصحة الإنسان، حيث يدخل في تركيب الهيموغلوبين، المسؤول عن نقل الأوكسجين في خلايا الدم الحمراء. ومع ذلك، فإن توازن مستوياته في الجسم بالغ الأهمية، إذ يمكن أن يؤدي نقصه إلى فقر الدم، بينما يُمكن أن يؤدي فرطه إلى تفاعلات أكسدة خطيرة قد تمهد لنشوء الخلايا السرطانية.

2. الحديد الزائد وارتباطه بخطر الإصابة بالسرطان:

أظهرت دراسات وبائية متعددة أن زيادة الحديد في الجسم — سواء من خلال النظام الغذائي أو ظروف مرضية — قد يرتبط بزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان مثل سرطان الكبد، الثدي، والقولون.

السبب العلمي؟
الحديد الزائد قد يساهم في إنتاج الجذور الحرة (Free Radicals)، وهي جزيئات شديدة التفاعل تسبب تلفًا في الحمض النووي (DNA) والبروتينات والغشاء الخلوي، مما يزيد من فرص حدوث طفرات خبيثة.

وفقًا لدراسة منشورة في Nature Reviews Cancer عام 2020، فإن الخلايا السرطانية غالبًا ما تعتمد على الحديد لتسريع نموها، مما يجعل هذا العنصر جزءًا من المشكلة وأيضًا من الحل المحتمل.

3. الفيروبتوز: كيف يمكن للحديد أن يقتل الخلايا السرطانية؟
الفيروبتوز (Ferroptosis) هو نوع من الموت الخلوي يحدث نتيجة التفاعل الكيميائي بين الحديد والدهون داخل الخلايا، مما يؤدي إلى تدمير الأغشية وقتل الخلية.
هذا المسار يختلف عن الموت الخلوي التقليدي (الاستماتة)، وهو أكثر استهدافًا في حالات معينة، مثل الخلايا السرطانية المقاومة للعلاج.
دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature عام 2025، أشارت إلى أن مركبًا جديدًا يُسمى Fento-1 أو فينتوميسين، يعمل على تنشيط الحديد داخل الخلية بطريقة تؤدي إلى تراكم الأكسدة وتدمير الخلية السرطانية دون التأثير على الخلايا السليمة.

4. لماذا هذه الآلية مهمة؟
غالبًا ما تفشل العلاجات التقليدية في القضاء على ما يُعرف بـ الخلايا السرطانية المقاومة أو “الخلايا المستمرة، وهي خلايا قادرة على التكيف مع العلاج ومواصلة الانتشار. وقد وجد الباحثون أن هذه الخلايا تحتوي على مستوى عالٍ من الحديد، مما يجعلها عرضة بشكل خاص للفيروبتوز.

“الفيروبتوز هي نقطة ضعف في كيمياء الحديد داخل الخلية”، كما وصفها د. رافاييل رودريغيز من مركز الأبحاث الفرنسي CNRS، مشيرًا إلى أن تشبع الخلية بالحديد بشكل يفوق قدرتها على التحمل يؤدي إلى موتها.

5. التحديات والقيود
رغم الآمال الكبيرة، هناك بعض العقبات في تطبيق هذه الاستراتيجية:

● بعض الخلايا تطور آليات دفاعية قوية مضادة للأكسدة (مثل GPX4)، مما يجعلها تقاوم الفيروبتوز.
● لا تزال هناك حاجة لتحديد المؤشرات الحيوية التي تساعد على اختيار المرضى القادرين على الاستفادة من هذا النوع من العلاج.
● الجانب السريري ما زال في مراحله المبكرة، ويحتاج إلى دراسات واسعة لتأكيد الفعالية والأمان.

6. توصيات ناتوروباتية  (Naturopthy) للحفاظ على التوازن:
من منظور العلاج الطبيعي (الناتوروباثي)، الوقاية هي الركيزة الأساسية، ويمكن اتباع التوصيات التالية:

● تقليل تناول اللحوم الحمراء والمصنعة، خصوصًا للرجال والنساء بعد سن الخمسين
● تعزيز تناول الحديد من مصادر نباتية مثل الطحالب، البقوليات، الكاكاو، والبذور
● تناول فيتامين C مع الوجبات النباتية لتحسين امتصاص الحديد
● تجنّب الجمع بين الحديد والنترات (كما في اللحوم المحفوظة أو المياه الملوثة) لتقليل تكوين مركبات نيتروز المسببة للسرطان

المراجع العلمية المعتمدة
Torti & Torti, Iron and Cancer: Nature Reviews Cancer, 2020.
Wang et al., Targeting ferroptosis in cancer therapy, Molecular Cancer, 2022.
Rodriguez et al., Fento-1 induces ferroptosis in metastatic cells, Nature, 2025.
Cell Reports & Inserm – Janvier 2025.
CNRS: مقال تحليلي – “الحديد والسرطان: لعبة توازن”.

الخاتمة
بينما يُعدّ الحديد أحد أهم العناصر لبقائنا، فإنّ التعامل غير المتوازن معه قد يحوّله من عنصر منقذ إلى عنصر مهدد. واليوم، تظهر بارقة أمل جديدة في أبحاث السرطان، حيث يمكن تسخير نفس التفاعلات الكيميائية التي تسبب الضرر لاستخدامها كعلاج فعال للخلايا السرطانية المقاومة. إنها فرصة ثمينة لتطوير علاجات ذكية ودقيقة… وما زال الطريق مفتوحًا أمام المزيد من الاكتشافات.
 

انشر الفائدة

Hourviews

أخصائي العلاج الشمولي الطبيعي والأعشاب الطبية مع أكثر من 10 سنوات خبرة

هل تحتاج مساعدة؟

احجز استشارة مجانية مع HOURVIEWS للحصول على خطة علاج مخصصة